وضع داكن
31-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 025 ب - اسم الله المليك 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

المليك يدل على كمال المُلكية وعلى أبدية المُلكية:


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا مع اسم المليك، والمليك أيها الإخوة؛ ملِك ومالك، والمليك يملك كل شيء خلقاً وتصرّفًا ومصيرًا، والمليك يدل على كمال المُلكية، وعلى أبدية المُلكية، لذلك الفاتحة التي هي أصل من أصول كتابنا فيها آية:

﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾

[ سورة الفاتحة ]

ماذا تعني هذه الآية؟ تعني أن الإنسان مكلف أن يعبد ربه، وأن عبادة ربه علة وجوده. 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات  ]

وأن العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية، وأن الله سبحانه وتعالى حينما كلفنا أن نعبده أعطانا مقومات هذا التكليف، أعطانا كوناً هو الثابت الأول، ينطق هذا الكون بوجود الله، وكماله، ووحدانيته، هذا الكون ينطق بأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، هذا الكون يشير إلى أن خالقه ذات كاملة، أعطانا عقلاً يكفي كي نتعرف من خلاله إلى الله، الآيات التي تتحدث عن العلم والعقل والتفكر والحكم تقترب من ألف آية.

﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)﴾

[ سورة يس ]

﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)﴾

[ سورة المؤمنون ]

أعطانا فطرة تكفي لكشف الخطأ ذاتياً، من دون تعليم، من دون توجيه. 

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

بمعنى أعلمها ذاتياً بحسب فطرتها العالية أنها اتّقت أو فجرت، أعطانا شهوة هي ترقى بنا إلى الله، أو تهوي بنا إلى أسفل سافلين، حيادية، يمكن أن تكون الشهوة سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين.
 

استرداد حرية الاختيار عند الموت:


لكن الذي يتعلق بهذا الدرس أعطانا حرية الاختيار. 

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام  ]

أعطانا كوناً ينطق بكماله، وبوجوده، ووحدانيته، وأعطانا عقلاً، أعطانا وقتاً هو غلاف عملنا، أعطانا منهجاً تفصيلياً يهدينا إلى سواء السبيل، ثم أعطانا حرية الاختيار، عند الموت تُسترد هذه الحرية: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ملّكك الحرية، وعند الموت استردّها منك. 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾

[ سورة الفجر ]

فات الأوان.
 

البطولة معرفة الحقيقة قبل فوات الأوان:


أيها الإخوة الكرام؛ 

﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)﴾

[ سورة الأنعام ]

النقطة الدقيقة في هذا الدرس أن الله سبحانه وتعالى يسترد منا حرية الاختيار، انتهى الأمر، وأنت حيّ ترزق والقلب ينبض، وهناك نَفَس، يمكن أن تفعل كل شيء، يمكن أن تتوب من كل الذنوب، يمكن أن تُصَلّح كل العيوب، يمكن أن تفتح مع الله صفحة جديدة.
لذلك أيها الإخوة؛ أتمنى أن تكون هذه الحقيقة الخطيرة واضحة، أنت مع ملايين الأشياء مع ملايين، بل مئات الملايين بل ألوف الملايين بل ملايين الملايين، أنت مخير خيار قبول أو رفض، أن تؤمن في الوقت المناسب أو لابد من أن تؤمن بعد فوات الأوان، أي مَن هو أكفر كفار الأرض؟ الذي قال:

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

[  سورة النازعات  ]

فرعون، والذي قال: 

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

[ سورة القصص  ]

أكفر كفار الأرض عند الموت قال:

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

[ سورة يونس ]

إذاً أهل الأرض قاطبة، الستة آلاف مليون عند الموت تُكشف لهم الحقائق. 

﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

[ سورة ق ]

 

خيارُ الإنسان مع الإيمان خيار وقتٍ:


إذاً خيارنا مع الإيمان لا خيار قبول أو رفض، بل خيار وقت، فلابد من أن نؤمن في الوقت المناسب، أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، أن تؤمن وأنت في مقتبل العمر، أن تؤمن والدنيا بين يديك، أن تؤمن وأنت في أتمّ درجات القوة، أن تؤمن وأنت غني، أما عند الموت ما من إنسان على الإطلاق إلا وتُكشف له الحقائق التي جاء بها الأنبياء، ولكن بعد فوات الأوان: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ أي ممكن أي طالب أدى الامتحان وما نجح، نال الصفر، يعود إلى البيت يفتح الكتاب المقرر، يقرأ الإجابة، هل تصدقون أن طالباً يجرؤ أن يقدم طلباً إلى وزير التربية أنه يمكن أن تعيد لي الامتحان بالسؤال نفسه، شيء مضحك، مضى.
 

الإنسان مخير:


لذلك: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ الآن نحن بنعمة لا تعدلها نعمة، نحن أحياء، والقلب ينبض، ويوجد بقية من العمر، والتوبة ممكنة، والإصلاح ممكن، والاستغفار ممكن، وفتح صفحة مع الله جديدة ممكن، كل شيء ممكن ما دام في العمر بقية، فإذا جاء ملك الموت انتهى كل شيء، لذلك ورد في بعض الآثار أن الميت حينما يوضع في قبره أول ليلة ينادى أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
المليك يسترد حرية الاختيار التي أعطاك الله إياها، لذلك جيء لسيدنا عمر بشارب خمر، فقال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
في اللحظة التي تتوهم فيها أنك مجبر على كل أفعالك أنت مخير فيما كُلِفت، لكن لستَ مخيرًا في أمك وأبيك، ولا في عصرك، ولا في مدينتك، ولا في كونك ذكراً أو أنثى، لكن العلماء أجمعوا على أن هذا الذي اختاره الله لك هو أكمل شيء، وليس في الإمكان أبدع مما كان، لكنك مخير فيما كُلفت، فلذلك عند الموت يُسترد هذا الاختيار: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ لا تملك شيئاً، أما الآن تملك أن تتوب، تملك ألا تتوب، تملك أن تصلي، تملك ألا تصلي، تملك أن تستقيم تملك أن تنحرف، أنت مخير، أما حينما يأتي الموت، الآن مواطن مخير، لكن حينما يقتل مواطناً آخر يُلقى القبض عليه، وعندئذٍ فقد حريته، أنت مخير لكن هناك عمل أصبحت مقيداً.
 

نحن بنعمة لا تعدلها نعمة أننا أحياء والقلب ينبض:


لذلك أيها الإخوة؛ حينما تقرؤون الفاتحة في كل صلاة تذكروا هذه الآية: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ نتمتع اليوم بنعمة لا تعدلها نعمة، ورد في بعض الآثار أن النبي عليه الصلاة والسلام مرّ أمام قبر فقال: صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم، هناك شركات عملاقة، ميزانياتها تساوي ميزانيات خمس دول، شركة، لو أنك تملك هذه الشركة، هذا كلام النبي الصادق المصدوق. 

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)﴾

[ سورة النجم ]

صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم، مثلاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام لعليٍّ:

(( عن سهل بن سعد الساعدي أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ يَومَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ، قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ: أيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟ فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ؟ فقِيلَ: هو -يا رَسولَ اللَّهِ- يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ: فأرْسَلُوا إلَيْهِ. فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. ))

[ صحيح البخاري ]

خَيْرٌ لَكَ مما طلعت عليه الشمس، خير لك من الدنيا وما فيها، قال تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)﴾

[  سورة النجم  ]

 

ابدأ من النهاية:


إخوتنا الكرام؛ بالبرمجة العصبية اللغوية يوجد قاعدة رائعة، تقول هذه القاعدة: ابدأ من النهاية، والمؤمن الصادق يبدأ من الموت، إذا بدأ من الموت أفلح في حياته، هذا العمل سأحاسب عليه، هذا الدخل مشبوه سوف أحاسب عليه، هذا الطلاق لا يُرضي الله سأحاسب عليه، حينما تبدأ من النهاية تبدأ من وقفتك بين يدي الله عز وجل، عندئذٍ تستقيم على أمره.
 

معاني المليك:


الآن من معاني المليك كما جاء في الآية الكريمة:

﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)﴾

[ سورة الفتح ]

أي التوحيد فحوى دعوة الأنبياء، هل يُعقل أن تُضغط مضامين دعوة الأنبياء جميعاً بآية واحدة؟ 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 

أهمية التوحيد في حياة المسلم:


ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ .
والله أيها الإخوة؛ قصة قصيرة جداً لا أشبع من تكرارها، لما كان الحسن البصري عند والي البصرة، وجاء توجيه من يزيد، يقول هذا الوالي للحسن البصري: لو نفذت هذا التوجيه لأغضبت الله عز وجل، ولو لم أنفذه لأغضبت الخليفة فعزلني، فماذا أفعل؟ بالتعبير اللغوي وقع في حيص بيص، أجابه إجابة والله ينبغي أن تكون شعار كل إنسان، قال له الحسن البصري: إن الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
فالمليك: ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ أي أيّ خلل بأجهزتك تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، فجأة خثرة في الدماغ، شلل، بمكان شلل، بمكان فقد البصر، بمكان فقد الذاكرة، تشمع كبدي، فشل كلوي، ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ .
لذلك أيها الإخوة؛ هذا الذي لا يُدخل الله في حساباته ليس اليومية الساعية، كل ساعة، قبل أن تقول كلمة، قبل أن تصل، قبل أن تقطع، قبل أن تغضب، قبل أن ترضى، قبل أن تبتسم، قبل أن تتجهم، هل جهزت جواباً لله عز وجل؟ مرة قال لي شخص: انصحني؟ يعمل في عمل بإمكانه أن يُودِع معظم الناس في السجن، بالتموين، أردت أن أقول له كلمة يصحو بها من غفلته، قلت له: ضع كل الناس في السجن، قال لي: ما هذا الكلام! قلت له: إذا كنت بطلاً هيئ لربك جواباً عن كل عمل تفعله، فلذلك: ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ .
 

الله تعالى مليك كل شيء:


أيها الإخوة؛ ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ .

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾

[ سورة آل عمران ]

الآية التي بعدها: 

﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)﴾

[ سورة الفرقان ]

مليك: ﴿الًّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ لست أنت المملوك، ليس بلدك هو المملوك، السماوات والأرض، والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني ما سوى الله، السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله: ﴿الًّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ .

﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)﴾

[  سورة الإسراء ]

 

أنواع الذنوب:


لذلك ورد أن هناك ذنباً لا يغفر هو الشرك، وهناك ذنب لا يترك ما كان بين العباد، وهناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله، لماذا الشرك ذنب لا يُغفر؟ أوضح هذا بهذا المثل: إنسان-نحن في دمشق-له في حلب مبلغ ضخم جداً بالملايين، ومعه وثائق رسمية، والقبض الساعة الثانية عشرة من يوم السبت مثلاً، توجه إلى محطة القطارات، وركب قطار حلب، دقق، قطع بطاقة من الدرجة الأولى، وركب بالدرجة الثالثة خطأ، وقع بخطأ، بطاقته من الدرجة الأولى، ركب بمركبة أو بعربة من الدرجة الثالثة، هذا خطأ، الخطأ الثاني اختار عربة فيها شباب غير منضبطين أزعجوه كثيراً في أثناء الرحلة، ثانياً، الخطأ الثالث جلس بمقعد بعكس اتجاه القطار أصيب بالدوار، هذا خطأ ثالث، تلوّى من الجوع، وفي القطار عربة فيها مطعم، لا يعلم ذلك، هذا خطأ رابع، يمكن أن يرتكب أخطاء كثيرة، لكن القطار متجه إلى حلب، وسوف يصل بالموعد المحدد، وسوف يقبض المبلغ، هذه الأخطاء كلها تنتهي مع وصول القطار، راكب درجة ثالثة، مع شباب غير منضبطين، بعكس اتجاه القطار، يتلوى من الجوع، هذه كلها أخطاء، لكن هذه لا تُعيق هدفه، أما الخطأ الذي لا يُغتفر أن يركب قطار درعا، لا يوجد شيء، ليس هناك قبض إطلاقاً، أي أنت مع كل ذنوبك لو توجهت إلى الله الله عز وجل يقبلك، ويتوب عليك، ويغفر لك، أما لو توجهت إلى إنسان ضعيف مثلك، فقير مثلك، جاهل مثلك، الخطأ الذي لا يغتفر أن تتجه لغير الله.
الإمام الشافعي له دعاء، يقول: يا رب لقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك، أطعتك في التوحيد، ولم أعصِك في أبغض الأشياء لك، الشرك، فاغفر لي ما بين ذلك، اغفر لي ما بينهما.
 

الله مليك تعلقت قدرته بكل ممكن:


الآن: 

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)﴾

[ سورة المائدة ]

الله مليك، ﴿وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي تعلقت قدرته بكل ممكن.
والله أيها الإخوة؛ أمراض وبيلة، أورام من الدرجة الخامسة، شرايين مسدودة، يوجد حالات كثيرة يعجب لها الأطباء، صنفوها تحت باب الشفاء الذاتي، كلية توقفت عن العمل، موعد استئصالها بعد ثمانية أيام، خطر في بال الطبيب قبل أن يستأصلها أن يعيد التصوير، إذا هي تعمل، والله لي صديق أصيب بورم خبيث في رئتيه، والقصة من عشرين سنة، أُخذت خزعة أُرسلت إلى بريطانيا، مخابر دمشق، أبداً ورم خبيث من الدرجة الخامسة، والأطباء الذين تولوا معالجته قمم في البلد، والقرار قطعي لا يوجد أمل أبداً، ثم شفي شفاء تاماً، ولا يزال حياً يرزق من عشرين سنة، ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يمكن أن يتحقق شيء ولا يقع في الخيال أبداً. 

وإذا العناية لاحظتك جفونها             نم فالمخاوف كلهن أمان

[ عمر اليافي ]

* * *

 

من لوازم المليك الالتجاء إلى الله وحده:


الآن حينما تعرف أن الله بيده كل شيء تتجه إليه وحده، تُعلق الأمل عليه، لا تعلق أملاً على غيره، لا تضعضع إلا في أعتابه، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، لا تتضعضع أمام قوي، عزيز النفس، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس؛ فإن الأمور تجري بالمقادير، الإيمان بالقدر يُذهب الهم والحزن، الإيمان بالقدر نظام التوحيد، كل شيء وقع أراده الله،

(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. ))

[ أحمد: الهيثمي: مجمع الزوائد: رجاله ثقات  ]

 

الدعاء باسم المليك:


لذلك حينما تتعرف إلى اسم المليك تتجه إليه وحده،

(( فعَنْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي، وَآوَانِي، وَأَطْعَمَنِي، وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ. ))

[ صحيح  أبو داود ]

قال لي أحدُهم: دخلي يغطي نفقاتي، قلت له: إذاً أصابتك دعوة رسول الله، قال لي: ما دعوته؟ دعوته: اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً، ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي، وَآوَانِي)) لك بيت، ((وأطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَليَّ فأفْضَلَ، وَالَّذي أعطانِي فأجْزَل الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ؛ اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، وَإِلهَ كُلِّ شَيْءٍ، أعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) إذا عرفت المليك تتوجه إليه، كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن ينام دعا بهذا الدعاء.
الآن من أدعية النبي التي كان يُكثرها في ضوء اسم المليك: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الله وبحمده.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور